26-بهمن-1402, 12:26
بحوث في علم الأصول ؛ ج4 ؛ ص294
و نكتة هذه السيرة و ملاكها بحسب الحقيقة ندرة وقوع النقل و التغيير و بطئه بحيث انَّ كلّ إنسان عرفي بحسب خبرته غالباً لا يرى تغييراً محسوساً في اللغة، لأنَّ عمر اللغة أطول من عمر كلّ فرد، فأدّى ذلك إلى انَّ كلّ فرد يرى انَّ التغير حادثة على خلاف الطبع و العادة. و حينئذ امّا أَنْ يفترض انَّ الأصحاب قد التفتوا إلى احتمال النقل و التغيير في الظهورات السابقة على زمانهم صدوراً و مع ذلك أجروا أصالة الظهور أو انَّهم غفلوا عن هذا الاحتمال بالمرة و عملوا بما يفهمونه من الظهورات، فعلى الأول يكون بنفسه دليلًا على حجية أصالة الثبات شرعاً، و على الثاني فنفس الغفلة في مثل هذا الموضوع تعرضهم لتفويت أغراض الشارع لو لم تكن أصالة الثبات حجة فسكوت المعصوم عليه السلام و عدم تصديه لإلفاتهم دليل على إمضاء هذه الطريقة و كفاية الظهور الّذي يفهمه الإنسان في زمانه في تشخيص الظهور الموضوعي المعاصر لصدور الكلام.
هذا و لكن أصالة عدم النقل لا تجري في موردين:
الأول- ما إذا علم بالنقل و شك في التقدّم و التأخر، و السبب عدم انعقاد السيرة على ذلك لأنَّ العقلاء انَّما يبنون على أصالة الثبات لاستبعاد وقوع تغير في اللغة و امّا إذا فرض وقوع هذا الأمر البعيد فلا فرق بعد ذلك في وقوعه يوم السبت أو الأحد مثلًا.
الثاني- ما إذا كان الشك في مؤثرية الموجود في النقل، كما إذا شاع استعمال لفظ الصلاة مثلًا في المعنى الشرعي كثيراً نتيجة كثرة ابتلاء المتشرعة بذلك و دخول الصلاة الخاصة كعبادة في أوضاعهم و حياتهم الاجتماعية فاحتمل انَّ هذا الشيوع بلغ مرتبة نقل بسببها اللفظ عن معناها اللغوي و تعين في المعنى الشرعي. و في مثل ذلك أيضا لا جزم بإجراء أصالة عدم النقل لقصور السيرة بكلا مظهريه عن شموله، إذ أصحاب الأئمة لا يجزم بعملهم بالظهور الأولي حتى في مثل هذه الحالة، كما انَّ السيرة العقلائية قائمة بنكتة الاستبعاد و هي لا تكون مع توفر مقتضٍ للنقل بالنحو المذكور.